کد مطلب:239459
شنبه 1 فروردين 1394
آمار بازدید:146
شهادة ذات أهمیة
و قد شهد له أبوه نفسه بالتقدم علی أخیه الأمین؛ قال : « .. و قد عینت بتصحیح هذا العهد، و تصییره الی من أرضی سیرته، و أحمد طریقته، و أثق بحسن سیاسته، و آمن ضعفه و وهنه، و هو : عبدالله . و بنوهاشم - یعنی العباسیین - مائلون الی محمد باهوائهم، و فیه ما فیه من الانقیاد لهواه، و التصرف مع طویته، و التبذیر لما حوته یده، و مشاركة النساء، و الاماء فی رأیه . و عبدالله المرضی الطریقة، الأصیل الرأی، الموثوق به فی الأمر العظیم، فان ملت الی عبدالله، أسخطت بنی هاشم، و ان أفردت محمد بالأمر ، لم آمن تخلیطه علی الرعیة .. » [1] .
و قال أیضا : « انی لأعرف فی عبدالله حزم المنصور، و نسك المهدی، و عزة الهادی، ولو شئت أن أنسبه الی الرابع - یعنی نفسه - لنسبته، و قد قدمت محمد علیه، و انی لأعلم أنه منقاد لهواه، مبذر
[ صفحه 153]
لما حوته یده، یشاركه فی رأیه الاماء و النساء، و لولا أم جعفر - یعنی زبیدة - و میل بنی هاشم، لقدمت عبدالله علیه .. » [2] یعنی فی ولایة العهد .
[ صفحه 154]
و علی كل حال ... فان كل من تعرض من المؤرخین و غیرهم، لشرح حال المأمون، قد شهد له بالتقدم، و بأنه رجل خلفاء بنی العباس و واحدهم ..
و ما یهمنا هنا، هو مجرد الاشارة الی حال المأمون، و ما كان علیه من الدهاء و السیاسة، و حسن التدبیر .. و لسنا هنا فی صدد تحقیق أحواله، و الاحاطة بكافة شؤونه ؛ فان ذلك لا یناسب الغرض الذی وضع من أجله هذا الكتاب .
و سیمر معنا فی الفصول الآتیة المزید من الكلام عن المأمون و ظروفه، مما له نحو ارتباط بالموضوع الذی نحن بصدد تحقیقه من قریب، أو من بعید، ان شاء الله تعالی ...
[ صفحه 155]
[1] مروج الذهب طبع بيروت ج 3 ص 353 ،352.
[2] راجع شرح قصيدة ابن عبدون لابن بدرون ص 245، و تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 307، و قريب منه ما في الأخبار الطوال ص 401، و الاتحاف بحب الأشراف ص 96، و تاريخ الخميس ج 2 ص 334 .
هذا .. و الرشيد هنا يدعي النسك للمهدي مع أن كتب التاريخ زاخرة بأخبار بذخه، و لهوه و لعبه ؛ و يكفي أن يذكر هنا : أنه قد سلم الأمر ليعقوب بن داود، و انصرف الي ملذاته و شهواته، حتي قال فيه بشار بن برد أبياته المشهورة :
بني امية هبوا طال نومكم
ان للخليفة يعقوب بن داود
ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا
خليفة الله بين الزق و العود
فراجع : الفخري في الآداب السلطانية ص 185 ،184، و تاريخ التمدن الاسلامي المجلد الأول جزء 2 ص 407، و البداية و النهاية، و أي كتاب تاريخي شئت..
هذا ... و لعل ما ينسب اليه من الزهد و الورع انما كان بلحاظ ما قدمناه : من تسمية أبيه له ب« المهدي » ؛ لكي يكون مهدي الامة الذي يملأ الأرض قسطا ، و عدلا . و اخترع أحاديث كثيرة لتأييد مدعاه هذا ..
و لكن الحقيقة هي ما قدمناه، من أنه لم يكن يقل في تهتكه و استهتاره عن غيره من الخلفاء ؛ حتي لقد ذكر الطبري في تاريخه، طبع مطبعة الاستقامة ج 6 ص 405 : أنه ألبس ابنته « البانوقة » لباس الفتيان، لتمشي في مقدمة الجند و القواد، و قد رفع القباء ثدييها الناهدين، و كانت سمراء، حسنة القد، حلوة، علي حد تعبير الطبري .. فماذا كان يقصد « المهدي المنتظر » !! من تصرفه هذا !! . فهل كان يريد بذلك أن يملأ الأرض قسطا و عدلا ؟!! ..
و لماذا كان الزاهد الورع !! و « المهدي المنتظر » يعذب الناس بالسنانير و الزنابير ؟، ليبتز منهم أموالهم، و يتخذ الاتهام بالزندقة ذريعة للقضاء علي خصومه، كما قدمنا، و أيضا يشرب الخمر، و يسمع الغناء، حتي بلغ في ذلك حدا جعل يعقوب بن داود يلومه علي ذلك، و يقول له : « ما علي هذا استوزرتني، و لا علي هذا صحبتك الخ .. ». و في ذلك يقول بعض الشعراء، يعرض بيعقوب، و يحث المهدي علي الاستمرار في ذلك علي ما في البداية و النهاية ج 10 ص 149 ،148 - يقول في ذلك - :
فدع عنك يعقوب بن داود جانبا
و اقبل علي صهباء طيبة النشر
و أخيرا .. فاننا لا نعرف أحدا يقول بأن المهدي العباسي، هو المهدي الموعود ، الا سلم الخاسر ؛ فقد نقل ذلك عنه ابن المعتز في طبقات الشعراء ص 104، و يدل علي ذلك قول الخاسر في قصيدة له يمدح بها المهدي العباسي علي ما في الأغاني ج 21 ص 187، طبع دار الفكر :
له شيم عند بذل العطاء
لا يعرف الناس مقدارها
و « مهدي امتنا » و الذي
حماها و أدرك أوتارها
و السيد الحميري أيضا ممن كان قد ظن أنه المهدي حقا لكن فعاله قد بينت : أنه ليس هو، و لذلك يقول السيد حسبما يروي المرزباني في أخبار السيد الحميري (المستدرك ) ص 58 :
ظننا أنه « المهدي » حقا
و لا تقع الامور كما ظننا
و لا و الله، ما المهدي الا
اماما فضله أعلي و أسني
و لا بأس بالاشارة هنا الي ما ذكروه، من أن سبب تسميته بالخاسر : أنه كان عنده مصحف ؛ فباعه، و اشتري بثمنه طنبورا، فبقيت من ثمنه بقية، فاشتري بها خمرا !! .. فبورك من مهدي أتباعه أمثال هذا !! و بوركت امة تعترف بمهدي له تلكم الصفات !!.